الحمد لله على ما منح من النعماء ، والشكر له على عظيم الآلاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونعوذ به من مكر الأعداء ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جعلنا على المحجة البيضاء ، وحذر من الاختلاف والشحناء ، والفرقة والبغضاء ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأوفياء ، الذين استقاموا على النهج وقصدوا الحق ، فكانوا إخوة أصفياء ، ورضي الله عن التابعين المؤمنين الأخلاء ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ومن سار على نهجهم واجتنب سبيل أهل الأهواء . . . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أنكم ملاقوه ، ولن تعجزوه ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " .
أيها المسلمون : إن القضية الفلسطينية ، قضية جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين ، وليست قضية الفلسطينيين فقط ، ولا قضية العرب فقط ، كما صورها أعداء الدين ، حتى انطلى الأمر على كثير من المسلمين ، بل هي قضية تخص كل مسلم ومسلمة ، أليس الله يقول : " إنما المؤمنون اخوة " ، أليس يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم " .
أمة الإسلام : أكثر المسلمين اليوم لا يعرف عن القدس إلا اسمها ، هذه البقعة الطيبة الطاهرة ، والتي يدعيها اليهود ، وأنهم أحق بها من أهلها ، فحتى تتبين الحقائق ، وحتى تتضح الصورة واضحة جلية ، فقد كتب التأريخ العربي والإسلامي واليهودي والنصراني عن هذه البقعة ومن سكنها منذ آلاف السنين ، فالقدس أرض عربية إسلامية ولو كره الكافرون ، ولو زمجر المغرضون ، ونهق الناهقون .
اخوة الإيمان : لقد كانت القدس مسكونة منذ زمن موغل في القدم ، وكانت مقصد البشر منذ ذلك الزمن ، وأول من سكن القدس هم اليبوسيون من بطون العرب الكنعانيين من جزيرة العرب ، وكان ذلك قبل 3500 سنة قبل الميلاد ، وهذا هو الذي يشهد له التأريخ البشري ، ومن المتفق عليه بين المؤرخين ، حتى اليهود أنفسهم ، ولذا كان أقدم اسم سميت به فلسطين كنعان نسبة للكنعانيين العرب الذين قطنوها إبان ذاك ، ثم تصدى اليبوسيون للهجمات الشرسة من اليهود منذ ذلك الوقت ، بقصد الاستيلاء على القدس ، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل ، فسكن العرب وهم سكان فلسطين الأصليون مع قبيلتي بنيامين ويهوذا من أسباط بني إسرائيل في أورشليم ، ثم توالت المحاولات من بني إسرائيل لإخراج العرب من بلادهم والسيطرة عليها ولكنها فشلت كسابقاتها ، فبقيت السلطة للعرب حقبة من الزمن ، يناضلون عن ديارهم ، ويدافعون عن مقدساتهم ، وبقيت القدس تحت السيطرة العربية إلى عهد نبي الله داود عليه السلام ، حيث فتح بيت المقدس ، ثم بعد موته ، جاء ولده سليمان عليه السلام ، ليكمل الهيكل الذي بدأه أبوه ، وبعد أن اندثر ذلك الهيكل وانهدم ، وزالت معالمه تماماً ، إلا أنه لا يزال مسيطراً على أفكار اليهود ومعتقداتهم الدينية ، بل أعطوه كل المعاني الحربية والعسكرية الممكنة . إنه هيكل مزعوم وخرافة كاذبة يدعيها أعداء الله اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة ، فمع ما قدمه لهم أنبياؤهم من إدخالهم إلى بيت المقدس ، وسيطرتهم عليه ، بعدما كانوا أذلة صاغرين ، خائفين مذعورين ، بعد ذلك كله ، قتلوا أنبياءهم ، وكذبوهم ، بل وألحقوا بهم التهم الباطلة ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً .
أيها الاخوة الكرام : لقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً ومبشراً ونذيراً ، حتى بشر النبي الكريم بفتح الشام وبيت المقدس ، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : عن النبي صلى الله عليه سلم قال : " ست من أشراط الساعة : وذكر منها : وفتح بيت المقدس " [ حديث صحيح صححه الألباني ] . فكاد له اليهود العداء حتى حاولوا قتله مراراً وتكراراً ، ولكنهم باءوا بغضب من الله ولعنة .
ثم توالت الفتوحات الإسلامية في عهد نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد خلفائه الراشدين ، ففي عهد الخليفة أبي بكر الصديق أغار المسلمون على الروم في معركة أجنادين ، وكان جيش الروم يقدر بأكثر من مائة ألف مقاتل ، في حين كان عدد المسلمين ثلاثة وثلاثين ألفاً ، وكان قائد المسلمين في تلك المعركة سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه ، فدارت رحى الحرب بين المسلمين والروم ، فكان القتال مريراً ، حتى كتب الله النصر لأوليائه ، والدحر لأعدائه ، فانتصر المسلمون نصراً مؤزراً ، وقد فتحت عدة مدن فلسطينية آنذاك ، منها عسقلان ونابلس والرملة وعكا واللد ، وفتح عمرو بن العاص مدناً أخرى منها يافا ورفح ، وغزة . وبهذا مهدت الجيوش الإسلامية في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الطريق للزحف نحو بيت المقدس . وبعد موت الصديق تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، وكان على جيوش المسلمين أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه ، فحاصر أهل إيلياء ، شهوراً عدة ، وكان أهلها يتحصنون بالحصون المنيعة ، حتى نزلوا على الصلح مع المسلمين ، وذلك بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، ويكونون تحت الحكم الإسلامي ، ولم يجرؤ اليهود طوال أيام الخلفاء الراشدين ، والخلافة الأموية على الاستيطان بالقدس ، فبقيت القدس دولة إسلامية شامخة لا يهز كيانها وإباءها أي يهودي أو صهيوني كافر متملق ، حتى وقعت القدس تحت طائلة الحكم العبيدي الفاطمي في عهد المعز لدين الله ، ثم توالت الحروب للاستيلاء على فلسطين ، ولقد عادت السيطرة الصليبية على بيت المقدس حتى عام 583هـ ، حيث هيأ الله تعالى للأمة رجلاً صالحاً عمل على توحيد الأمة الإسلامية تحت راية واحدة ، إنه صلاح الدين الأيوبي ، الذي انطلق لعملية الفتح الإسلامي ، فبعد معركة حطين ، توجه نحو عسقلان ، ومنها إلى القدس ، وفرض عليها حصاراً قوياً اضطر معه الصليبيون إلى الاستسلام ، وما إن توفي البطل صلاح الدين الأيوبي حتى دب الخلاف فيمن بعده بسبب أطماع دنيوية ، ودسائس يهودية ، وخيانات سياسية . فسلمت القدس مرتين للصليبين دون قتال .
أيها الأحبة في الله : بيت المقدس ثالث الأماكن المقدسة للمسلمين ، فيه المسجد الأقصى ، وإليه أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه عرج به إلى السماء السابعة ، وهو أولى القبلتين ، ومهوى أفئدة كثير من المسلمين . ولكن نتيجة لبعد المسلمين عن دينهم ، وتفرق كلمتهم ، وشتات أمرهم ، وابتعاد دويلاتهم ، وحب الدنيا بينهم ، وقعت فلسطين تحت الحكم البريطاني عقب الحرب العالمية الأولى ، وكان ذلك فرصة كبيرة للهجمة العنصرية اليهودية المدعومة بالعون الصليبي ، حيث سهلت لهم بريطانيا سبيل الهجرة إلى فلسطين ، لأن بريطانيا ضاقت باليهود ذرعاً في بلادها ، نتيجة المكر والخيانة التي عُرفوا بها بين الشعوب العالمية ، فهيأت لهم بريطانيا الجو المناسب لتنظيم أنفسهم ، وتدريبهم على السلاح ، وحاول الفلسطينيون الوقوف في وجه اليهود وأعوانهم ، وكاد جهادهم أن يكلل بالنجاح ، لولا تخذيل الحكومات العربية لهم ، ورفع يد المعونة والمساعدة عنهم ، والخيانات التي وقعت ضدهم ، وانحياز أمريكا إلى جانب اليهود ، حتى وقعت فلسطين تحت سيطرة اليهودية الآثمة منذ عام ألف وثلاثمائة وسبعة وستين للهجرة ، حيث أعلن اليهود عن إقامة دولة إسرائيل ، وباركت جميع الدول الكافرة تلك الشوكة في حلوق العرب والمسلمين ، حتى يأمن الغرب غارات الدول الإسلامية ، أو إقامة رايات الجهاد على دول الكفر والإلحاد ، فوضعت إسرائيل عقبة تعيق كل مسيرات الدعوة إلى الله ، ومازال الفلسطينيون منذ ذلك اليوم يعانون أشد أنواع الاضطهاد والتعذيب والتشريد والقتل والهدم والاغتصاب على مرأى من جميع دول العالم العربي والإسلامي .
معاشر المسلمين : أين أنتم عن جرائم الحرب الإبادية التي يقوم بها اليهود الصهاينة ضد إخوانكم في فلسطين ، إنها مجازر ومذابح جماعية ، لقد قتلوا في الغارة الماضية على مخيم جنين ، مئات القتلى من المسلمين الشهداء ، وأودعوهم مجاري المياه ، وأماكن التصريف الصحي ، وفاحت روائح جثث المسلمين ، ودفنوا الكثير منهم حتى لا تُكتشف تلك المذبحة اليهودية الفادحة ضد شعب فلسطين المسلم ، إنها أوسمة من الفضيحة والعار تحيط برقاب المسلمين في كل مكان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إنا نبرأ إليك مما فَعل الخونة من المسلمين ، ونعوذ بك مما فُعل بالمسلمين .
يقول الملك عبد العزيز رحمه الله : ما من شك في أن الحركة الصهيونية تجند الأنصار والأتباع ، بينما العرب ليس من ينصرهم إلا الله ، ثم حقوقهم الصريحة في أوطانهم وأنا لا أخشى اليهود ، لأن الله سبحانه وتعالى قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة ، وإذا كنا متمسكين بمعتقدنا عاملين بأوامر ديننا بإذن الله لن نخشى اليهود ولن نبالي بهم لأن الله تعالى معنا " .
أمة الإسلام : يجب على المسلمين أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ، وعلى تباين دولهم وأجناسهم لرد فلسطين إلى أهلها , وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله ، صيانته من دنس الصهاينة الغاصبين ، وحماية أثار المشاهد الإسلامية من أيدي هؤلاء العابثين وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل وأن يبذلوا كل ما يستطيعون ، حتى تُطَهَّرَ البلاد من أثار هؤلاء الطغاة المعتدين . كيف ويعلم الناس جميعاً أن اليهود يكيدون الإسلام وأهله ودياره أشد الكيد منذ عهد الرسالة إلى الآن , وأنهم يعتزمون أن لا يقفوا عند حد الاعتداء على فلسطين و المسجد الأقصى , وإنما تمت خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهر النيل و الفرات . وإذا كان المسلمون جميعاً ـ في الوضع الإسلامي ـ وحدة لا تتجزأ بالنسبة إلى الدفاع عن بيضة الإسلام , فإن الواجب شرعاً أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عن البلاد واستنقاذها من أيد الغاصبين . إننا نوقن بأن فلسطين أرضاً إسلامية وستبقي إسلامية وسيحررها أبطال الإسلام من دنس اليهود كما حررها الفاتح صلاح الدين من دنس الصليبيين , قال تعالى : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنت لا تظلمون " .
عباد الله : إن الشباب عماد الأمة ، وقوامها الذي تقوم به ، ومجدها الذي تعتز به ، ودرعها الذي يقف سداً منيعاً لها من أعدائها ، ولكن هل الشباب اليوم ، هم أولئك الشباب الذين تترقبهم أمتهم ، أهم أولئك الشباب الذين يحذرهم أعداؤهم ، إن شبابنا اليوم ، شباب بطن وفرج ، شباب شهوة وسياحة ، سياحة لمعاقرة الخمور والمخدرات ، وفعل الفاحشة بالعاهرات ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " [ رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ] ، شبابنا اليوم إذا طلبتهم ، وجدتهم على الأرصفة مجتمعين ، وحول الدشوش متحلقين ، شباب الإسلام اليوم ، شباب لهو وغفلة ، شباب رقص وغناء ، وتقليد للكفار والرعناء ، فآه ثم آه لشباب الإسلام ، أهؤلاء الشباب هم الذين سيحررون مقدسات المسلمين ؟ أهؤلاء الشباب هم الذين سيثأرون من اليهود الغاصبين ، والنصارى الحاقدين ، والعلمانيين المنافقين ؟ أشباب اليوم هم أحفاد عمر بن الخطاب ، وعمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد ، وصلاح الدين ؟ إذا كانت الأمة اليوم عاجزة عن إنجاب مثل أولئك الأبطال المجاهدين والمحررين الفاتحين ، فلنقم على أنفسنا مأتماً وعويلاً ، وصراخاً ونحيباً .
[b]